إذا جاء العيد فتذكر حياتك

إذا جاء العيد فتذكر حياتك
الهموم ليست حالة ثابتة مستقرة، بل إنها تتناوب على الإنسان بين الحين والآخر.. وكل شخص لا بد أن يمر بتلك الحالة في فترة أو فترات تطول أو تقصر من حياته.. ولكل واحد منا طريقته ومنهجه في التعاطي معها.
 
وتأتي المشكلة من استعذاب بعض الشخصيات للهموم، حتى لا يكاد يريد أن يفر منها، وينجو إلى حالته الطبيعية.. وقد يعود ذلك بالفعل إلى مشكلة عضوية تحتاج إلى علاج طبي، ولكن غالب هذه الحالات تكون مشكلتها في رؤية الشخص لهذه الهموم وقدرته على استنفار همته.
 
فقد يقدر لشخص ما أن يصاب بهموم متوالية تفقده القدرة على الاستمتاع بالحياة فترة من عمره، فيظن من فرط طولها أنها الحياة العامة التي يعيشها كل الناس فيستعذب الحياة فيها ولا يرغب في الانتقال عنها.. وقد تأتيه هذه الحالة من هم أكبر من قدراته النفسية وإمكاناته الذهنية فتسبب له صدمة مقعدة عن الحراك إلى حالته الطبيعية ويقضي غالب حياته ملازماً لهذا الهم الوافد.
 
ولهذا الذي يستعذب البقاء في الهموم، رافضاً الانتقال عنها، علامات يمكن أن يتميز بها.. فهو دائماً ما يميل إلى الجدية في كل مفردات الحياة، وتقل إلى حد الندرة مساحات اللهو المباح في حياته.. وهو كذلك قليل الاهتمام بذاته ومظهره.. يستكثر على نفسه أوقاتاً ماتعةً سواء في الترفيه أو غيرها، ويسعى دائماً إلى شغل وقته بالعمل الشاق والمضني..
 
وتحتاج هذه الحالة من الشخص إذا ما وقع تحت وطئتها أن يستنفر الهمم ليواجه بها الهموم المتراكمة، ويزيحها عن حياته وينعم بما بقي له من عمر فيها.. وليس ذلك يعني أنه سيعيش بلا هموم، ولكن المراد أن نتعلم كيف نتخلص منها، ومن استعذاب الحياة بداخلها والانتقال إلى الحياة الطبيعية مرةً أخرى..
 
ولابد بداية أن يدرك الشخص أن هذه الحالة التي هو فيها، لا تقرها الشريعة، ولا ترضاها، بل تحث على التخلص منها، فالهم والحزن، ليسا كما يتوهم البعض صفات ملازمة للمؤمن، وعلامة يعرف بها، فهذا توهم خلافاً للمعهود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكونه هاشاً باشاً بين صحابته، ومع أهله، وذلك شأن صحابته أيضاً.
 
ولذلك شرع العيد ليقطع الموارد الجالبة للهموم، التي تأتي وتتراكم على الإنسان من عدة جوانب منها الحزن على ما قد فاته، والخوف من المستقبل القادم، والتطلع إلى ما عند الآخرين، مما حرم هو منه, وكل هذه ليس بمقدور المرء التحكم فيها، فليس هو بقادر على استرجاع ما قد مضى، ولا ضمان ما قد يأتي، ولا أن ينال من رزق قسمه الله - عز وجل - لغيره.
 
تذكر حياتك والثمن الفادح، لعل صاحب الهم الذي لا يريد أن يبرحه أن يتذكر كذلك الثمن الفادح الذي يدفعه.. الثمن هو حياته كلها.. فإذا آثر الإنسان البقاء خلف قضبان الهموم مكبلاً بقيود الغم والحزن تسربت من بين يديه حياته يوماً بعد يوم، ولن يحصد إلا العض على أصابع الندم حينما تنقضي حياته دون أن يعيشها على وجهها الصحيح.
 
فلا تجعل الهم يسلبك حياتك، ولا تعط الأمور أكثر مما تستحق، واستنفر همتك لتعيش حياتك على وضعها الطبيعي الذي فيه الكدر والحزن وفيه السعادة والفرح.. فالماء الراكد آسن لا ينتفع به صاحبه، وكذا إذا بقي الإنسان على حالة واحدة لفقدت الحياة متعتها.. ففكر دوماً كيف تجعل حياتك متناغمة مع ما يطرأ عليك من حوادث، ولا تقضيها كلها على وتيرة واحدة...ولذا جاء العيد.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org